الاثنين، 29 يناير 2007

في فقه المخالطة 2

من المسائل التي لا زلت أتوقف عندها هي كيف يتواصل الرجل الملتزم مع المرأة غير المتحجبة ، أليس غض البصر واجبا عن ما لا يشرع إظهاره ؟ سألت مشايخي فقالوا لا يجوز النظر إلى المرأة غير المتحجبة ، وعلماء الأزهر الذين يظهرون مع مذيعات غير محجبات يرتكبون تصرفا مخالفا ، لكن الأمر أوسع من مجرد ظهور مع نساء غير محجبات على الشاشة ، إنها الحياة اليومية بتفاصيلها وتداخلاتها ، فهل يوجب الإسلام على الرجل أن يظل خافض الرأس عندما يتعامل مع من تكشف شعرها مثلا ؟ أم كما ذكر لي أحد الإخوة أنه يرى ولا يرى ، وأن الرجل قادر على أن يتحدث مع المرأة ووجهه إليها دون أن يرى ملامحها ، هل هذا عام يقدر عليه جميع الرجال ؟ وكيف يتصور ذلك في الأعمال المشتركة التي تتطلب وقتا طويلا من التواصل ؟ لا إجابة عندي لأني لست رجلا . لكن ما يستحق الوقوف عنده حقا هو ما ذكره الإمام ابن عابدين الحنفي في كتاب النكاح من أن النساء اللواتي يكشفن عن شعورهن لا يحرم النظر إلى ذلك منهن لأنهن قد أسقطن حرمة الأجزاء التي يحرم النظر إليها من أجسادهن ، بكشفهن إياها . ونص كلامه هو : "تسقط حرمة هؤلاء الكاشفات رؤوسهن في ممرالأجانب لما ظهر من حالهن أنهن مستخفات مستهينات وهذا سبب مسقط لحرمتهن0 وفي الفقه الجعفري نجد من يذهب إلى أنه يجوز النظر إلى النساء المبتذلات اللاتي لا ينتهين إذا نهين عن التكشف بشرط أن لا يكون بتلذذ شهوي ولا يخاف الوقوع في الحرام ، ولا فرق في ذلك بين نساء الكفار وغيرهن ، كما لا فرق فيه بين الوجه والكفين وبين سائر ما جرت عادتهن على عدم ستره من بقية أعضاء البدن0 لست أقرر أحكاما، كما أني لم أفهم الوجه الأصولي والفقهي لاستدلال الإمام ابن عابدين، هل هو مبني على أن حرمة النظر إلى ما لا يجوز كشفه هو لأجل حق الطرف الآخر فإذا أسقط حق نفسه سقطت الحرمة ، كما في رد السلام الذي هو حق لملقي السلام يبقى في ذمة من ألقي عليه السلام ، لا أعلم حقا، وهذه مساحة في فقهنا تحتاج للدراسة ، وهذه تساؤلات لا بد للعلماء من الإجابة عنها بما يجعلنا نعيش حياتنا بلا حرج، لأن ديننا هو دين الحياة ، والتراث الفقهي لديه إجابات تحقق تناغمنا مع الحياة لكن الخطاب الديني حتى في مصر كنموذج للسعة يقف عند مسائل موقفا غائما ومنها مسألتنا هذه . والله أعلم
نشرت هذه المقالة على موقع العربية نت يوم الثلاثاء30يناير 2007م . ورابطها هو

الأحد، 28 يناير 2007

فقه المخالطة أسئلة حالية

ملامح مجتمعنا باتت تتغير، الخصوصية التي يتحدث عنها البعض أصبحت ماضيا، لست أزعم أن الحال الآن أسوأ أو أفضل، فمثل هذا التقييم لا يمكن التحدث عنه جزافا.في جدة لم تكن الفتيات قبل سنوات يجرؤن على الخروج وهن يضعن غطاء الرأس على أكتفهن ، كاشفات لشعورهن ، لا أقول إن الحجاب انحسر ، لأن الحجاب قبلا كان سلوكا تفرضه قوانين المجتمع ، وبالتالي كانت هناك فتيات يلبسن الحجاب التزاما بقوانين المجتمع فحسب ، بينما لا يلتزمن به في التجمعات الأسرية الخاصة أو في خارج البلاد، الآن لم تعد القوانين صارمة ، الذهاب إلى أي كافيه في شمال جدة يبين ذلك بوضوح ، تجد المحجبات وتجد غير المحجبات وكلهن سعوديات . ليس ذلك فقط هناك مظاهر جديدة أيضا ، الاحتفال بأعياد الميلاد مثلا بشكل معلن في الكافيه العائلي ، لم يكن معروفا من قبل بالصورة الحالية ، بل إن التعبير عن الحب بين المحبين بدأ يتخلى عن تكتمه ، فتلامس الأيدي قد تشاهده عيانا ، الحواجز الخشبية بدأت تتوارى ، هذا موجود نعم لكن بصورة ليست متفشية كما هو في عدم الحجاب . كلامي هذا نتيجة مشاهداتي ، وليس ناتج عن دراسات ، ومما يجدر الإشارة إليه أن مسألة الخروج بلا حجاب( تلبس العباءة وتوضع الطرحة على الكتف ) هو في الطبقة فوق المتوسطة غالبا ولست أعمم هنا. لست أقرن بين عدم الحجاب والسلوك غير الملائم ، بالعكس قد تكون الفتاة غير المتحجبة ذات مظهر أكثر جدية واحتراما ، من متحجبات ذات سلوك طائش
في مجلة تعنى بإظهار المناسبات الاجتماعية ، من الممكن أن تقتني على هاتفك النقال صورا لفتيات سعوديا محجبات وغير محجبات ، كل صورة تحمل رقما يمكن من خلاله أن تحصل عليها .تغيرات جديدة تحتاج إلى رصد أكثر دقة وتعمقا، وخطاب ديني يواكب تغير أحوال الناس، وممارسة واعية تحفظ لغير الملتزمين بالأحكام الظاهرة القطعية حقهم في الاختيار . أقول الأحكام الظاهرة للدين ، لأن أخلاقيات الدين مثلا يتشارك فيها الملتزمون بالشعائر الظاهرة وغيرهم، وقد يفوق غير الملتزمين بالشعائر الظاهرة الملتزمين بها في سلوكهم الأخلاقي أو الالتزام بشعيرة كالصلاة مثلا0
كيف سنطور تعاملنا مع ( غير الملتزمين بالشعائر الظاهرة ) هل سنظل على أسالبينا القديمة في الوعظ أو الانسحاب عن مجالسهم ، أم الأمر يحتاج منا إلى فقه للمخالطة ، وأن نعيد قراءة تراثنا الشرعي نصوصا وفقها ، في ضوء التغيرات الجديدة . وقد قرأت مقالة للكاتبة صافيناز كاظم نبهتني إلى هذا المعنى ، وضرورة أن نتدارس فقه المخالطة ، إذ في مقالة لها ضمن كتابها ( تاكسي الكلام ) تحدثت عن حضورها لعرض مسرحي في دار الاوبرا يمزج فيه المخرج وليد عوني بين إحدى المقطوعات الكلاسيكية وبين مقامات نصير شمه عازف العود العراقي الشهير . تقول صافيناز أنها لم تستطع تقبل الرقض الحديث الذي رافق الموسيقى ، وأنها لا تجد فرقا بينه وبين الرقص الشرقي بما يحمله من دلالات جنسية غليظة ، رغم أن الرقص ليلتها لم يكن مقززا ، لكنها لم تطرب لتلك الزوايا الحادة في التعبير البدني للراقصين ، تقول صافيناز : " أدرت ظهري إلى خشبة المسرح ليكون القمر البدر في وجهي وسمعت الموسيقى وحدها، فأحسست "بالجمال الذي يناسبني اختيارا واحتياجا
كيف نتواصل مع من يخالفنا فكرا لا سلوكا فقط ، هذا فقه لم نتعلمه بعد مجتمعيا ، كنت أكتب في موقع ( مجانين دوت كوم) للصحة النفسيةوهو ذو توجه إسلامي ، وإذا بي أفاجىء ذات يوم بمقالة منشورة في الموقع للأستاذة بثينة كامل الإعلامية المعروفة ، تذهب فيها إلى أن الحجاب مظهر من مظاهر التمييزالتي تؤدي إلى مفاسد، فاجأتني المقالة وكدت اتصل بصاحب الموقع ومشرفه الدكتور وائل أبو هندي أعاتبه على نشر هذه المقالة التي تهاجم الحجاب ، ثم توقفت متأملة إلى نفسية الإقصاء التي توجه عقلي ، عندها بدأت في كتابة تعليق على كلامها وحوار وصفته صديقتي الكاتبة ( داليا يوسف ) بالهادئ ، وتعجبت من هذا الهدوء ، أذكر أني قلت لها لم نتعود هنا في السعودية على حوار المخالفين لا سيما في قطعيات الدين ، نحن نحتاج فعلا إلى تعلم ذلك ، ولست أدري فعلا إن كان هدوئي هذا هو الصواب ، لكن لماذا نتشنج ونحن نعرض ما نعتقد أنه حق ، ولعل مثل هذا الهدوء يكون أكثر نفعا من مقالة حادة0

السبت، 27 يناير 2007

غربة وألفة

كتبت السطور التالية منذ زمن ، لكني ارتأيت أن أبدأ بها مدونتي ، ربما لأنها قريبة إلى خارطة تكويني

" ايديا في جيوبي وقلبي طرب، سارح في غربة بس مش مغترب، وحدي لكن ونسان وماشي كده، بابتعد ما اعرفش أو باقترب "

بصوته النافذ شفافية، غنى محمد منير هذه الكلمات من رباعيات صلاح جاهين ، يصحبه لحن عذب يبعث في النفس ذلك الشجن الذي يهدي الحكمة، ويطهر الروح. قبل سنوات تزيد على العشرة بقليل كان الحديث عن الغربة قرين الحديث عن التدين ، وكان الفكر الديني السائد يعتمد عزلة من نوع خاص، ويجد لها سندا دينيا في الأحاديث التي تحدثت عن الغربة، وفضل الغرباء المتمسكين بدينهم حال فساد الزمان، و تبتر هذه الأحاديث عن سياقاتها، لتجعل أساسا في تشكيل حياة ( الملتزم )، تعمق فيه شعورا بالغربة النفسية، بل لا أبعد إن قلت شعورا بالاستعلاء على كل من يخالف القالب الأوحد للتدين المعتد به في ذلك الوقت . وفي شريحة المراهقين تجد هذه الغربة أكثر ما تكون تعمقا،تبعا لطبيعة مرحلتهم العمرية، وأذكر أن أحد أفضل الأناشيد التي يطيب تردادها في تلك الأيام نشيد ( غرباء )، وكان يذكي فينا شعورا بالانتماء والنضال في حياة هي دار شقاء لابد أن نظل فيها بنفسية المحارب لنقوى على اجتيازها إلى النعيم المقيم !كان فكرا مراهقا كمراهقتنا، قاصرا كقصورنا، يفتقر النضج كافتقارنا إليه، يقولب الدين في قالب جامد ، في عداء مبطن لجمال الحياة ، و تناقض مفجع مع تقتضيه الشريعة من سعة ومرونة .وقد قرأت من قديم للمفكر المعاصر الشيخ محمد الغزالي -رحمه الله – كلاما عن فساد بعض أساليب الوعظ وكيف تنقل المستمعين لا سيما الشباب الصغار إلى العجز عن التواصل السلس مع الحياة بإيرادها استشهادات في غير موضعها بأحاديث نبوية أو كلام لبعض الصالحين في الصلة بالله عز وجل في مقامات لا يدركها إلا من تحقق بها ، ولا يصح تعميم الحديث عنها .وفي هذا السياق كان الحديث عن غربة التدين، ولكأنها هي الأصل في حياة المسلم، لا أنها شعور يعمق الصلة بالله، ولا يقطع الصلة بعباد الله أو يورث الجفاء بينهم ، وغيبت الأحاديث التي تتحدث عن أن سمت المؤمن هو أنه يألف ويؤلف ، وأنه لا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف ، بل والآيات القطعية في ولاء المؤمنين لبعضهم البعض دون تمايز بين مراتب الإيمان إذ هي مما لا يطلع عليه إلا الله . وأصبحت ولكأنها مقصورة على أصحاب القالب الخاص في التدين . وبدل أن تكون فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر سبيلا للتواصل المنضبط بضوابط حسن الظن، و احترام الخصوصية الفردية في اختيار نمط الحياة المعاش وفقا للمساحات الظنية الواسعة في الشريعة، والموازنة الدقيقة بين احترام حق الفرد وحق المجتمع، نجد أن هذه الفريضة بسبب اقتحام العمل بها دون علم بأحكامها التفصيلية قد صارت سببا آخر من أسباب تعميق الغربة النفسية لدى أصحاب ذلك الفكر، بل وسبيلا إلى هدم القيم الأساسية التي جاء بها الدين تأكيدا لأخلاق الصدق والتواضع والرفق والإصلاح . لم تتوار ظلال هذا الفهم المبتسر لمعنى الغربة في بعض ما يطرح على الساحة الدينية اليوم، لكنها لم تعد وحدها السائدة، بل و انبثقت من ظلمتها أنوار المراجعة العاقلة التي لا تغفل قواعد الشريعة و مقاصدها. وهل يدفع الفرد منا إلى الإسهام الحق في الإصلاح إلا نفسية متزنة متناغمة مع ذاتها، وتحسن التفاعل مع من حولها ، يعطيها ما يعرض عليها من إحساس بالغربة، عمارا للقلب مع الله عز وجل ، وهمة في العمل ، زينتها الحكمة ، ونبضها التسامح والرحمة . نبض تطيب النفس به،كما في مناجاة منير المغناة التي قدمت بها، أنسا بالله تعالى، وتبريا من نسبة القوة والعلم لسواه سبحانه، وسلاما مع النفس والحياة

نشرت في جريدة الحياة الطبعة السعودية في يوم السبت :25/2/2006م